بقلم استاذ/عباس الديلمي
من المفارقات الغريبة في عصرنا انه لا يوجد من يُقدم على قتل اخيه في الدين كما نفعل نحن المسلمون ، ولا يوجد من يستبيح دم اخيه في الدين معتمداً على مبررات دينية وغير دينية كما نفعل نحن.. وهذا ما تشهدبه الوقائع ليس من العراق الى افغانستان وحسب بل في معظم بقاع العالم وحيث صرنا شيعاً وفرقاً ومِللاً ونِحلاً. وعندما اقول هذه مفارقة غريبة فإن استنادي يعود الى ترجيحي بأنه لا توجد ديانة سماوية حرمت على المؤمن قتل واستباحة دم اخيه في الايمان كما فعل او جاء في الدين الاسلامي وهذا ما تشهد به تعاليمه في الكتاب والسنة واقوال حكمائه.
لم يتوقف الاسلام عند التحذير من القتل ظلماً وان الله سبحانه هو نصير من يقتل مظلوماً ولا عند التأكيد بأن قتل نفس واحدة بغير حق جريمة توازي قتل الناس جميعاً ولا عند القطع بأن هدم الكعبة المشرفة حجراً حجراً اهون على الله من قتل المسلم للمسلم..
لقد صارت التعاليم الاسلامية الى ما هو ابعد وهو منع الاقتتال بين الاخوة في الدين والقبلة والشهادة الواحدة معتمداً على التخويف من ذلك بكل السبل ومن الامثلة على ذلك ما يروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم انه اذا ما اقتتلا اخوان في الاسلام إلا وكان القاتل والمقتول في النار وعندما قالوا له :عرفنا يا رسول الله سبب جزاء القاتل في النار ،فلماذا المقتول؟؟ قال لان المقتول كان يحدث نفسه يقتل القاتل..
هكذا يروى وهذا يذكرني بقول احد المتصوفة الزهاد لعله «سفيان الثوري» عندما سُئل في الموضوع اياه فقال «المقتول قاتل سبق الى غايته» اي ان المقتول هو قاتل ولكن سبقوه الى ما كان يهم به..
كل هذا وغيره يأتي من باب ابعاد المسلمين واخوة الديانة الواحدة من اللجوء الى العنف والقوة فيما قد تنجم بينهم من اختلافات او خلافات تؤججها نزعات الرواسب الجاهلية او نيران الشهوات الثلاث التي منها شهوة المال وشهوة السلطة.. التي تبلغ مرحلة اللجوء الى العنف واستباحة دم وعرض الآخر..
لقد جاء القول بأن القاتل والمقتول في النار ليس من باب الانتقاص من حق من قتل ظلماً او بغير حق - كما اسلفنا- ولكن من قبيل منع الاقتتال بين الاخوة في الدين بأقصى درجات التخويف والتحذير وان اللجوء الى القوة او العنف ليس بالامر الهين الخالي من الضوابط المنفلت عن عقال العقل والمنطق وغير المراعي لمصالح لم تنزل الاديان السماوية ولم تأت الديانات الوضعية والتعاليم الفلسفية والاخلاقية من قبلها إلا لتبصر الناس بها وتحميها من رذيلة التهور التي لا تقود إلا الى الدمار..
نكتفي بهذا لنقول اليس من المفارقات الغريبة ان نجد مثل هذه التعاليم في ديننا الاسلامي وان يسجل علينا تاريخنا خاصة في عصرنا الراهن بأنا بلغنا بشاعة ما مثلها في القتل والقتال واستباحة دم الاخ والاستهانة بحياته وبماله وعرضه وان كان اخاً في الدين والانتماء بل والمواطنة رغم الاوامر والنواهي والتعاليم الواضحة ومنها ما اشرنا اليه وكذلك مادعى اليه الامام علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه وهو يحثنا على نبذ العنف ليس فيما بيننا كمسلمين وحسب بل وفي تعاملنا مع الآخرين من القوميات والديانات الاخرى عندما نهانا عن العنف واستباحة الدم والاستهانة بالحياة وقال «ان لم يكن اخاك في الدين ،هو شريكك في الانسانية.»
وكذلك قال زاهد من المتصوفة ناهياً عن اللجوء الى القوة والعنف «من يستلون السيف بالسيف يُقتَلون» بضم الياء وفتح التاء وقال آخر «من يرفعون الرماح لا يستطيعون الجلوس على اسنتها»
كل هذا ونجد ان من قتلوا من إخوتنا بسيوفنا ومتفجراتنا وقذائفنا ورصاصاتنا وصواريخنا .. الخ. يفوق باضعاف من قتلوا بآلات الحروب والدمار الغازية او الاجنبية وان قيل إن قتلى أسلحة الناتو في ليبيا بلغوا اكثر من اربعين الفاً واكثر من ذلك قد قتلوا في العراق..
ألآ يكفي ما فعلنا ونفعله بأنفسنا ؟!! اما آن الوقت لمراجعة حساباتنا امام العقل لا امام العواطف والشهوات..